الشيخ أحمد رضا

الشيخ أحمد رضا

من أبرز وجوه الأدب اللبناني وألمع رجاله ، إذا جلست إليه شعرت بسهولة العلم وجلالة المعرفة . حمل الشعلة وقاد طلابه إلى دروب التجديد في مجتمع تعلق بالقديم…وقف في وجه التخلف ومعه فئة قليلة من الرجال ، يدعو للتطور والأخذ بالصالح المفيد .ولد في النبطية في الرابع من حزيران عام 1872 ، وفي الخامسة من عمره أدخله والده الكتّاب ، فقرأ القرآن الكريم وتعلم أصول الخط العربي . وفي العام 1880 رحل إلى قرية أنصار لطلب العلم في مدرسة العلاّمة السيد حسن إبراهيم، فدرس فيها الصرف والنحو مدة عشرين شهراً ، ثم عاد إلى النبطية يساعد والده في التجارة، ويتردد على مدرستها الرسمية التي أنشأها رضا بك الصلح ، (والد رياض) ، الذي كان حينها مدير ناحية النبطية. وكان يتردّد في بعض الأحيان إلى مجلس العلامة السيد محمد نور الدين في النبطية الفوقا.

في العام 1884 قدِم العلامة السيد محمد إبراهيم إلى النبطية لتطوير الحالة العلمية فيها، فلازمه أحمد رضا ، وقرأ على يديه المختصر في المعاني والبيان والمنطق، ورسائل ابن سينا في الطبيعيات والفلسفة .كان له باع في العمل الاجتماعي فاشترك في تأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية تحت اسم ” جمعية المعارف ” .ومع مجيء العلامة السيد حسن يوسف مكي إلى النبطية العام 1891 ، كان الشيخ أحمد رضا من تلامذته ، بالإضافة إلى الشيخ سليمان ظاهر وأحمد عارف الزين.تلقى على يديه دورس الفقه وغيرها من العلوم الدينية العليا . وفي الوقت نفسه كان معلماً للصفوف الأولى لدروس النحو والصرف والمنطق والبيان .في العام 1894 أسس مع محمود بك الفضل والشيخ سليمان ظاهر جمعيةً قائمةً على مبدأ التعاون الخيري ، أخفوا أمرها عن الحكومة وجعلوها سرية ، وبلغ عدد أعضائها 24 شخصاً من الوجهاء والأعيان ، واستمرت حوالي العامين .تعلم الكثير على يد معلمه السيد حسن يوسف مكي ، وكان مرافقاً له في حله وترحاله مع صديقه الشيخ سليمان ظاهر لمعالجة الكثير من مشاكل وأمور جبل عامل ، متنقلاً بين صور وبنت جبيل والخيام وغيرها من الحواضر العاملية .تابع الشيخ أحمد رضا مسيرة معلمه بعد وفاته العام 1906 ، ويعتبر امتداداً له بمحاربة الجهل والتخلف . فعمل على إنشاء مدرسة خاصة لجمعية المقاصد للذكور والإناث، وأقدم على رعاية معظم شؤونها وتدريب معلمين أكفياء للقضاء على الجهل والأمية، ليس في النبطية وحدها بل في جبل عامل.عُرف الشيخ أحمد رضا مع رفيقيه الشيخ سليمان ظاهر ومحمد جابر آل صفا بالثلاثي العاملي ، إذ كانوا يشتركون دائماً في النشاط السياسي والاجتماعي .

حياته السياسية :

كانت حياته السياسية حافلة بالأحداث والأخطار . عاصر إعادة الدستور العثماني للحياة في العام 1908 ، بعد أن توقف منذ العام 1876 ، ثم انضم إلى جمعية الاتحاد والترقي ، وسرعان ما تركها بعد اتضاح نوايا الاتحاديين العنصرية ضد العرب، وساءت علاقته مع الأتراك ، وجرت مداهمة منزله مع صديقيه بوشايةً من مدير الناحية.واستمرت المراقبة والملاحقة ، حتى اقتيد إلى الديوان العرفي في عاليه مع رفيقيه في حزيران العام 1915 ، واستمر اعتقالهم مدة شهرين ثم أفرج عنهم ، وكاد أن يكون مع قافلة الشهداء الأولى التي أمر جمال باشا بإعدامها .رافق الثورة العربية ضد الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى . وحارب الانتداب الفرنسي منذ أن وطأت قواته الأراضي العاملية والسورية . وكان مؤيداً للملك فيصل ، ومشاركاً في مؤتمر وادي الحجير العام 1920 .كل هذه الأحداث ، ومن خلال وجوده في قلبها أو مشاركاً من خلف الستار في صناعتها ، جعلت منه أحدث رواد الفكر السياسي العاملي .في أيام 1920 ، ومع بدء حملة نيجر ضد جبل عامل ، وُضع قيد الإقامة الجبرية في صيدا من قبل الفرنسيين .في حزيران 1928 ، شارك في مؤتمر الوحدة السورية الذي حضره 68 مندوباً يمثلون جميع مدن الساحل السوري وجبل عامل .في العام 1931 ، كان عضواً في المؤتمر الإسلامي العام المنعقد في القدس، والذي حضرته شخصيات سياسية بارزة من العالمين العربي والإسلامي ، للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الصهيونية والسياسة الاستعمارية البريطانية .في تشرين الثاني العام 1933 ، شارك في أعمال ” مؤتمر الساحل ” الذي عقد في منزل سليم علي سلام وبرئاسته ، وذلك للمطالبة بالوحدة السورية ، وإقامة المساواة بين مختلف الطوائف .في آذار العام 1936 ، شارك للمرة الثانية في ” مؤتمر الساحل ” للبحث في مشروع المعاهدة الفرنسية – اللبنانية .في 5 تموز 1936 ، ساهم في أعمال ” مؤتمر الوحدة السورية ” الذي عقد في منزل الشيخ عباس الحر في صيدا . وقد اختير نائباً لرئيسه عبد الحميد كرامي.في 8 أيلول 1937 ، حضر اجتماعات “المؤتمر العربي القومي” الذي انعقد في بلودان وشارك فيه 411 مندوباً من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق ومصر ، وقد طالب المؤتمر بإلغاء وعد بلفور والانتداب على فلسطين ورفض تقسيمها .بتاريخ 2 أيلول 1947 ، ساهم مع نخبة من رجالات الثقافة العرب في المؤتمر الثقافي الأول للجامعة العربية الذي عُقد في بيت مري ، من أجل تطوير الثقافة واللغة العربيتين .

 نتاجه العلمي :

كان الشيخ أحمد رضا واحداً من ثلاثين عضواً مؤازراً ومراسلاً تألف منهم المجمّع اللغوي العربي في دمشق عام 1920 ، وهم من أقطاب العلم في بلادنا .وكان اختياره مستنداً إلى دراسات تاريخية وفكرية قيّمة ، وفيما بعد نادراً ما خلى مجلد من مجلدات المجمّع ، ألـ 28 من مقال أو بحث أو دراسة أو اقتراح الشيخ.ومن أطرف الدراسات التي أعدها ” رد العامي إلى الفصيح” ، وقد صدرت في كتاب عام 1952 عن دار “العرفان” .وبذلك حصل على تقدير من المجمع العلمي ، وانتخب عضو شرف، وكان هذا التقدير حافزاً على متابعة الجهد ، فتبحّر في اللغة واطّلع على أوانسها ، وألمّ بفلسفة اللغات، وخاصة السامية . وهو أحد أئمة اللغة في النصف الأول من القرن العشرين.أنفق أكثر من ربع قرن يبحث في أصول اللغة ومصدرها ونشأتها وتطورها، ووضع فيها مؤلفات عدة أهمها :

–       متن اللغة ، وهو مؤلف من خمسة أجزاء بلغ أكثر من ثلاثة آلاف صفحة ، (طبع بعد وفاته). دار مكتبة الحياة 1958 ، بيروت .

–       الوسيط في اللغة (مخطوط) .

–       الموجز في اللغة (مخطوط) .

–       وأفرد للكلمات المستحدثة ذات المعاني الجديدة كتاباً خاصاً سماه ” التذكرة في الأسماء المنتخبة للمعاني المستحدثة ” (مخطوط) .

–       رد العامي إلى الفصيح (طبع بعد وفاته) .

–       مولد اللغة (مخطوط) .

–       الدروس الفقهية في مذهب الشيعة .

–       رسالة الخط (طبع بعد وفاته) دار الرائد العربي ، بيروت 1986 .

–       روضة اللطائف (مخطوط) .

–       الوافي في الكفاية والعمدة (مخطوط) ، شرح به كفاية المتحفظ لإبن الأجدابي ، وهي من نظم محمد بن أحمد الطبري .

–       وصدر له العام 2006 في بيروت كتاب بعنوان ” طرفة الطرائف وزبدة المعارف”، وهو من تحقيق الأستاذ حبيب جابر.

كما نشرت مجلة العرفان على حلقات مذكراته التاريخية بين عامي 1920 و 1922،وصدرت فيما بعد عن دار النهار العام 2009 من تحقيق (الدكتور منذر

أرشيف علي مزرعاني – خاص أجداد العرب

Leave a comment